هاشتاق الاعترافات- فضول أم تعرية للذات؟

المؤلف: عبده خال10.05.2025
هاشتاق الاعترافات- فضول أم تعرية للذات؟

الاستطلاع شغفٌ متأصل، يدفع بصاحبه إلى حالة من الهيام بامتلاك المعارف الخفية، فمنذ فترة وجيزة، وفي رحاب موقع (X)، دُشِّن وسمٌ يحمل عنوان: "يوم الاعتراف العالمي"، وكأنَّ القائمين عليه، بدافع الفضول الجامح، سعوا جاهدين لاستخلاص خبايا النفس البشرية، وتقديمها في صورة اعترافات نقية، مُجرَّدة من الزيف والتنميق، تعكس الحقائق المجردة دون خوف أو ملامة.

وقبل انتشار وسائل التواصل الحديثة، كانت الاعترافات محط اهتمام الناس، ففي ليالي الأنس والسمر، كان بعض الجالسين يلجأون إلى هذا النوع من البوح كوسيلة لتمضية الوقت، بيد أن الاعترافات الحقيقية كانت نادرة، إذ كانت تشوبها الانحرافات والتحريفات، أو حتى القفز فوق الحقائق الجوهرية.

ولأنَّ كل إنسان يمتلك أسراره الخاصة، تطل مثل هذه المبادرات بهدف انتزاع تلك الأسرار، أو تعرية الإنسان من الخصوصية التي يحيط بها ذاته، تمامًا كثوب يستر الجسد، فالنفس البشرية تخفي في أعماقها أسرارًا دفينة، ومن الصعوبة بمكان أن يمنحك أي شخص كل ما اختلج دواخله، خشية أن يطلع عليه الآخرون (وهنا لا أتحدث عن الإثم، بل عن وقائع لا يرغب المرء في كشفها للعلن).

وعلى الرغم من أنَّ أغلب المشاركين في وسم "اليوم العالمي للاعترافات" كانوا شخصيات افتراضية، تتخفى وراء أسماء وصور وهمية، فإنهم لم يتمكنوا من الإفصاح عن اعترافات عميقة تمس جوهر الذات... فهذه الشخصيات الوهمية لا يمكن اعتبار اعترافاتها حقيقية، فهي مبنية على هوية مزيفة في الأصل.

خلاصة القول، إن الاعترافات شأن شخصي للغاية، وإذا ما أدرجنا البُعد الديني كمرتكز أساسي، فلن يبوح إنسان بحقيقة مكنوناته إلا في حالات نادرة وضمن نطاق ضيق جدًا... وأستذكر هنا أنني قدمت ورقة بحثية في أحد المحافل الأدبية بعنوان "نسبة الاعترافات الروائية"، حيث ارتكزت الفكرة على أن الشخصية الروائية هي شخصية تخيلية، لا يهمها أن تُنسب إليها أي تهمة، وبالتالي فهي شخصية عارية لا تحتاج إلى الاختباء أو التستر.

وقد شاركت أيضًا في نقاش حول السيرة الذاتية للكُتَّاب، وكنت أميل إلى إنكار وجود سيرة ذاتية حقيقية تسرد كل الحقائق التي عاشها الكاتب، مؤكدًا أن البنية الثقافية للكاتب تقوم على التكتم، وأي خطأ يرتكبه يمكنه التستر عليه والتوبة عنه، بينما توجد ثقافات أخرى تتطلب التطهُّر واللجوء إلى شخص يستمع إلى تلك الاعترافات، وفي كلتا الحالتين، يكون الاعتراف لشخص واحد وفي قضية واحدة، وليس على الملأ.

علاوة على ذلك، فإن معطياتنا الثقافية ترتكز على التكتم وعدم الإفصاح، ومن بين الوصايا المتوارثة: ألا تبوح بسرك لأحد، أو لمن لا يمتلك صدرًا يتحمل أمانة سرك، فمن باب أولى ألا تثق فيمن ائتمنته على أسرارك.

يبقى السؤال الجوهري: ما الذي يدفعنا إلى استطلاع أسرار الآخرين؟

إن الإجابة على هذا السؤال تفتح شهية التكهنات والاحتمالات، ولكن من الصعب تصديق الإجابات، لأنها تصدر من أناس تختلج في أعماقهم رغبات متضاربة، ولعل أهمها هو الفضول الذي يدفعهم إلى كشف دواخلهم على أنها هي الإجابة المنشودة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة